{كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ} أَوْ {كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ} فَهَذَا الْأَوْسَطُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْتَقِرُ عِنْدَ الْمُؤْمِنِ لُزُومُ تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ لَهُ إلَى وَسَطٍ وَلَا يَفْتَقِرُ لُزُومُ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ إلَى وَسَطٍ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا حَرَّمَ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَّمَ النَّبِيذَ الْمُسْكِرَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حُرِّمَ. وَلَوْ قَالَ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَنَّهُ مُسْكِرٌ فَالْمُخَاطَبُ إنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ مُسْكِرٌ وَالْمُسْكِرُ مُحَرَّمٌ سَلِمَ لَهُ التَّحْرِيمُ وَلَكِنَّهُ غَافِلٌ عَنْ كَوْنِهِ مُسْكِرًا أَوْ جَاهِلٌ بِكَوْنِهِ مُسْكِرًا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لِأَنَّهُ خَمْرٌ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ خَمْرٌ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ وَإِذَا أَقَرَّ بَعْدَ إنْكَارِهِ فَقَدْ يَكُونُ جَاهِلًا فَعَلِمَ أَوْ غَافِلًا فَذَكَرَ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا كَانَ ذَاكِرًا لَهُ.
وَلِهَذَا تَنَازَعَ هَؤُلَاءِ الْمَنْطِقِيُّونَ فِي الْعِلْمِ بِالْمُقَدِّمَتَيْن هَلْ هُوَ كَافٍ فِي الْعِلْمِ بِالنَّتِيجَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفَطُّنِ لِأَمْرِ ثَالِثٍ؟ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ. قَالُوا: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ عَالِمًا بِأَنَّ الْبَغْلَةَ لَا تَلِدُ ثُمَّ يَغْفُلُ عَنْ ذَلِكَ. وَيَرَى بَغْلَةً مُنْتَفِخَةَ الْبَطْنِ. فَيَقُولُ: أَهَذِهِ حَامِلٌ أَمْ لَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهَا بَغْلَةٌ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. وَيُقَالُ لَهُ: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ الْبَغْلَةَ لَا تَلِدُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَالَ فَحِينَئِذٍ يَتَفَطَّنُ لِكَوْنِهَا لَا تَلِدُ. وَنَازَعَهُ الرَّازِيَّ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ انْدِرَاجَ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ تَحْتَ الْأُخْرَى إنْ كَانَ مُغَايِرًا للمقدمتين كَانَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً أُخْرَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِنْتَاجِ وَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ الْتِئَامِهَا مَعَ الْأُولَيَيْنِ كَالْكَلَامِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute