الثَّغْرُ إلَى حَدِّ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ الْمَكَانُ تَارَةً ثَغْرًا وَتَارَةً لَيْسَ بِثَغْرِ؛ كَمَا يَكُونُ تَارَةً دَارَ إسْلَامٍ وَبِرٍّ وَتَارَةً دَارَ كُفْرٍ وَفِسْقٍ؛ كَمَا كَانَتْ مَكَّةُ دَارَ كُفْرٍ وَحَرْبٍ وَكَانَتْ الْمَدِينَةُ دَارَ إيمَانٍ وَهِجْرَةٍ وَمَكَانًا لِلرِّبَاطِ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ وَلَمْ تَبْقَ الْمَدِينَةُ دَارَ هِجْرَةٍ وَرِبَاطٍ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ بَلْ قَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ؛ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا} وَصَارَتْ الثُّغُورُ أَطْرَافُ أَرْضِ الْحِجَازِ الْمُجَاوِرَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ: أَرْضَ الشَّامِ وَأَرْضَ الْعِرَاقِ. ثُمَّ لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ الشَّامَ وَالْعِرَاقَ صَارَتْ الثُّغُورُ بِالشَّامِ سَوَاحِلَ الْبَحْرِ؛ كَعَسْقَلَانَ وَعَكَّةَ وَمَا جَاوَرَ ذَلِكَ. وَبِالْعِرَاقِ عبادان وَنَحْوُهَا؛ وَلِهَذَا يَكْثُرُ ذِكْرُ " عَسْقَلَانَ " و " عبادان " فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِكَوْنِهِمَا كَانَا ثَغْرَيْنِ وَكَانَتْ أَيْضًا " طرطوش " ثَغْرًا لَمَّا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمَّا أَخَذَهَا الْكُفَّارُ صَارَ الثَّغْرُ مَا يُجَاوِرُ أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ الْبِلَادِ الْحَلَبِيَّةِ. فَالْمُسَافِرُ إلَى الثُّغُورِ أَوْ طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ التِّجَارَةِ أَوْ زِيَارَةِ قَرِيبِهِ لَيْسَ مَقْصُودُهُ مَكَانًا مُعَيَّنًا إلَّا بِالْعَرْضِ إذَا عَرَفَ أَنَّ مَقْصُودَهُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ فِي غَيْرِهِ لَذَهَبَ إلَيْهِ. فَالسَّفَرُ إلَى مِثْلِ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ مَنْ يُسَافِرُ لِمَكَانِ مُعَيَّنٍ لِفَضِيلَةِ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ كَاَلَّذِي يُسَافِرُ إلَى الْمَسَاجِدِ وَآثَارِ الْأَنْبِيَاءِ: كَالطُّورِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute