مُوسَى وَغَارِ حِرَاءَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْوَحْيُ ابْتِدَاءً عَلَى الرَّسُولِ وَغَارِ ثَوْرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {إذْ هُمَا فِي الْغَارِ} وَمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْمَغَارَاتِ وَالْجِبَالِ: كَالسَّفَرِ إلَى جَبَلِ لُبْنَانَ وَمَغَارَةِ الدَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُسَافِرُ إلَى مَا يَعْتَقِدُ فَضْلَهُ مِنْ الْجِبَالِ وَالْغِيرَانِ. فَإِذَا كَانَ الطُّورُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى وَسَمَّاهُ الْبُقْعَةَ الْمُبَارَكَةَ وَالْوَادِيَ الْمُقَدَّسَ لَا يُسْتَحَبُّ السَّفَرُ إلَيْهِ فَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجِبَالِ أَوْلَى أَنْ لَا يُسَافَرَ إلَيْهِ. وَقَوْلِي بِالْإِجْمَاعِ. أَعْنِي بِهِ إجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي بَصْرَةَ وَغَيْرِهِمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ} أَنَّ الطُّورَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى وَسَمَّاهُ بالواد الْمُقَدَّسِ وَالْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ وَنَهَوْا النَّاسَ عَنْ السَّفَرِ إلَيْهِ وَلَمْ يَخُصُّوا النَّهْيَ بِالْمَسَاجِدِ. وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ وَمَا عَلِمْت فِي هَذَا نِزَاعًا قَدِيمًا وَلَا رَأَيْت أَحَدًا صَرَّحَ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ إلَّا ابْنَ حَزْمٍ الظَّاهِرِيَّ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ السَّفَرَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ إذَا نَذَرَهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَإِذَا نَذَرَ السَّفَرَ إلَى أَثَرٍ مِنْ آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَتَنْبِيهِهِ وَهَذَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ دَاوُد فَلَا يَجْعَلُ قَوْلَهُ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} دَلِيلًا عَلَى النَّهْيِ عَنْ السَّبِّ وَالشَّتْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute