ذَلِكَ كُلِّهِ وَمَلِيكُهُ وَبَارِئُهُ وَخَالِقُهُ وَمُصَوِّرُهُ. وَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ إلَّا الْعَدَمُ فَالْعَدَمُ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا يَفْتَقِرُ إلَى فَاعِلٍ مَوْجُودٍ؛ بَلْ الْعَدَمُ لَيْسَ بِشَيْءِ وَبَقَاؤُهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ فِعْلِ الْفَاعِلِ لَا أَنَّ عَدَمَ الْفَاعِلِ يُوجِبُهُ وَيَقْتَضِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْفَاعِلُ الْمَفْعُولَ الْمَوْجُودَ؛ بَلْ قَدْ يُضَافُ عَدَمُ الْمَعْلُولِ إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَفْعُولَ الْمَوْجُودَ إنَّمَا خَلَقَهُ وَأَبْدَعَهُ الْفَاعِلُ وَلَيْسَ الْمَعْدُومُ أَبْدَعَهُ عَدَمُ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ وَالدَّوْرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ اقْتِضَاءُ أَحَدِ العدمين لِلْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ العدمين مُمَيِّزًا لِحَقِيقَةِ اسْتَوْجَبَ بِهَا أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ أَنَّ عَدَمَ الْمُقْتَضِي أَوْلَى بِعَدَمِ الْأَثَرِ مِنْ الْعَكْسِ فَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وُجُودُ الْمُقْتَضِي هُوَ الْمُفِيدُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي صَارَ الْعَقْلُ يُضِيفُ عَدَمَهُ إلَى عَدَمِهِ إضَافَةً لُزُومِيَّةً؛ لِأَنَّ عَدَمَ الشَّيْءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ. وَبَعْدَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْعَدَمُ إلَّا لِأَجْلِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَوْ الْحَالَتَيْنِ؛ فَلَمَّا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُودِهِ يَعُوقُهُ وَيَمْنَعُهُ الْمَانِعُ الْمُنَافِي وَهُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَتَارَةً لَا يَكُونُ سَبَبُهُ قَدْ انْعَقَدَ صَارَ عَدَمُهُ تَارَةً يُنْسَبُ إلَى عَدَمِ مُقْتَضِيهِ وَتَارَةً إلَى وُجُودِ مَانِعِهِ وَمُنَافِيهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؛ إذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute