للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (*)

مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ فِيمَنْ يَقُولُ: لَا يُسْتَغَاثُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ وَهَلْ هُوَ كُفْرٌ أَمْ لَا؟ وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِآيَاتِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَنْفَعُهُ دَلِيلُهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ ذَلِكَ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.

فَأَجَابَ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ بَلْ الْمُتَوَاتِرَةِ وَاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ: أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ وَأَنَّهُ يُشَفَّعُ فِي الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ النَّاسَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ إلَى رَبِّهِمْ (*) وَأَنَّهُ يَشْفَعُ لَهُمْ. ثُمَّ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُ يُشَفَّعُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَأَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَحَدٌ. وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ فَأَنْكَرُوا شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يُنْكِرُوا شَفَاعَتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ وَهَؤُلَاءِ مُبْتَدِعَةٌ ضُلَّالٌ وَفِي تَكْفِيرِهِمْ نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ.


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ١٦ - ١٧):
هذه الفتوى هي الفتوى التي اعترض عليها البكري الشافعي، فكتب عليها رداً، فرد عليه الشيخ رحمه الله (الاستغاثة) المعروف بـ (الرد على البكري)، وقد ذُكرت هذه الفتوى في (تلخيص كتاب الاستغاثة) ص ٢١١ - ٢١٦ وهنا ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أنه قد وقع هنا في نسخة الفتاوى بعض التصحيفات والفروق اليسيرة في عشرين موضعا تقريباً، إلا أنها لا تؤثر في المعنى وأكثرها من تصرف النساخ.
والأمر الثاني: أن الشيخ رحمه الله في الاستغاثة قد ترك قرابة الصفحة من هذه الفتوى حيث قال هناك ص ٢١٥ (١/ ٤٢٠): (قالوا: والفرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث، والداعي ينادي بالمدعو - وقد تقدم حكاية هذا إلى آخره فليس هذا موضع استقصائه - وفيه: والاستغاثة بالرسول بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم. . .).
فقد أشار في قوله (وقد تقدم حكاية هذا إلى آخره فليس هذا موضع استقصائه) إلى شيئين:
أحدهما: أنه ترك بعض الفتوى، وهو الموجود في الفتاوى: ١/ ١١١ (من السطر الحادي عشر) إلى ١١٢ (السطر السابع).
والثاني: أنه قد تقدم ذكر هذه الفتوى في كتاب الاستغاثة، والتلخيص المطبوع لا ذكر لها فيها قبل هذا الموضع، فلعلها مما اختصره ابن كثير رحمه الله، والله أعلم.
والأمر الثالث: أن آخر خمسة أسطر من هذه الفتوى الموجودة هنا (١/ ١١٣) لم يذكرها الشيخ في الاستغاثة، فلعله مما تقدم ذكره مما اختصره ابن كثير أيضاً والله تعالى أعلم.