للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَهُ أَمْوَالٌ يُعْطِيهَا وَلَيْسَ لَهُ إرَادَةٌ فِي إعْطَاءٍ مُعَيَّنٍ لَا إرَادَةً شَرْعِيَّةً وَلَا إرَادَةً مَذْمُومَةً؛ بَلْ يُعْطِي كُلَّ أَحَدٍ. فَهَذَا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ قَامَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ وَلَكِنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ الْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي تَفْصِيلِ أَفْعَالِهِ. فَإِنَّهُ لَا يُذَمُّ عَلَى مَا فَعَلَ وَلَا يُمْدَحُ مُطْلَقًا. بَلْ يُمْدَحُ لِعَدَمِ هَوَاهُ وَلَوْ عَلِمَ تَفْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأَرَادَهُ إرَادَةً شَرْعِيَّةً لَكَانَ أَكْمَلَ. بَلْ هَذَا مَعَ الْقُدْرَةِ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ. وَحَالُ هَذَا خَيْرٌ مِنْ حَالِ مَنْ يُرِيدُ بِحُكْمِ هَوَاهُ وَنَفْسِهِ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَهُ وَهُوَ دُونَ مَنْ يُرِيدُ بِأَمْرِ رَبِّهِ لَا بِهَوَاهُ وَلَا بِالْقَدَرِ الْمَحْضِ. فَمَضْمُونُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ النَّاسَ فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمُلْكِ وَالْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ": قَوْمٌ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا إلَّا بِحُكْمِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ. وَهُوَ حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ حَالُ الْعَبْدِ الرَّسُولِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي ذَلِكَ. وَقَوْمٌ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِحُكْمِ إرَادَتِهِمْ وَالشَّهْوَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً. وَهَذَا حَالُ النَّبِيِّ الْمَلِكِ. وَهُوَ حَالُ الْأَبْرَارِ أَهْلِ الْيَمِينِ. وَقَوْمٌ لَا يَتَصَرَّفُونَ بِهَذَا وَلَا بِهَذَا. أَمَّا " الْأَوَّلُ " فَلِعَدَمِ