للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِيلَ: قَوْلُكُمْ " عَقْلٌ وَنَفْسٌ " لُغَةٌ لَكُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْجَمَتِهَا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَرَبِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمَعْنَى. فَيَقُولُونَ: " الْعَقْلُ " هُوَ الرُّوحُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْمَادَّةِ - وَهِيَ الْجَسَدُ وَعَلَائِقُهَا - سَمَّوْهُ عَقْلًا وَيُسَمُّونَهُ مُفَارِقًا وَيُسَمُّونَ تِلْكَ: الْمُفَارِقَاتِ لِلْمَوَادِّ؛ لِأَنَّهَا مُفَارِقَةٌ لِلْأَجْسَادِ؛ كَمَا أَنَّ رُوحَ الْإِنْسَانِ إذَا فَارَقَتْ جَسَدَهُ كَانَتْ مُفَارِقَةً لِلْمَادَّةِ الَّتِي هِيَ الْجَسَدُ. " وَالنَّفْسُ ": هِيَ الرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْجِسْمِ مِثْلُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ إذَا كَانَتْ فِي جِسْمِهِ. فَمَتَى كَانَتْ فِي الْجِسْمِ كَانَتْ مُحَرِّكَةً لَهُ. فَإِذَا فَارَقَتْهُ صَارَتْ عَقْلًا مَحْضًا: أَيْ يَعْقِلُ الْعُلُومَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ بِشَيْءِ مِنْ الْأَجْسَامِ فَهَذِهِ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَحْسَنِ التَّرْجَمَةِ عَنْ مَعْنَى الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يُحَصِّلُونَ ذَلِكَ.

قَالُوا: وَأَثْبَتْنَا لِكُلِّ فَلَكٍ نَفْسًا: لِأَنَّ الْحَرَكَةَ اخْتِيَارِيَّةٌ فَلَا تَكُونُ إلَّا لِنَفْسِ. وَلِكُلِّ نَفْسٍ عَقْلًا: لِأَنَّ الْعَقْلَ كَامِلٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَرَكَةٍ وَالْمُتَحَرِّكُ يَطْلُبُ الْكَمَالَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ مَا يُشَبَّهُ بِهِ وَمَا يَكُونُ عِلَّةً لَهُ.

وَلِهَذَا كَانَتْ حَرَكَةُ أَنْفُسِنَا لِلتَّشَبُّهِ بِمَا فَوْقَنَا مِنْ الْعُقُولِ. وَكُلُّ ذَلِكَ تَشَبُّهٌ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَالْأَوَّلُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إلَّا عَقْلٌ. لِأَنَّ النَّفْسَ تَقْتَضِي جِسْمًا وَالْجِسْمُ فِيهِ