للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَالَ {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ} وَلَمْ يَقُلْ " مَا " فَإِنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ مَا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ غَلَبَ مَا يَعْقِلُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بـ " مَنْ " لِتَكُونَ أَبْلَغَ فَإِنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهَ. وَهَذَا هُوَ الْغَيْبُ الْمُطْلَقُ عَنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِي قَالَ فِيهِ {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} .

وَالْغَيْبُ الْمُقَيَّدُ مَا عَلِمَهُ بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ أَوْ الْإِنْسِ وَشَهِدُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ غَيْبٌ عَمَّنْ غَابَ عَنْهُ لَيْسَ هُوَ غَيْبًا عَمَّنْ شَهِدَهُ. وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ قَدْ يَغِيبُ عَنْ هَذَا مَا يَشْهَدُهُ هَذَا فَيَكُونُ غَيْبًا مُقَيَّدًا أَيْ غَيْبًا عَمَّنْ غَابَ عَنْهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ لَا عَمَّنْ شَهِدَهُ لَيْسَ غَيْبًا مُطْلَقًا غَابَ عَنْ الْمَخْلُوقِينَ قَاطِبَةً. وَقَوْلُهُ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أَيْ عَالِمُ مَا غَابَ عَنْ الْعِبَادِ مُطْلَقًا وَمُعَيَّنًا وَمَا شَهِدُوهُ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ.

والْنُّفَاةِ لِلْعُلُوِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّفَاتِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنَدُهُمْ خَبَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا الْكِتَابَ وَلَا السُّنَّةَ وَلَا أَقْوَالَ السَّلَفِ وَلَا مُسْتَنَدُهُمْ فِطْرَةَ الْعَقْلِ وَضَرُورَتَهُ وَلَكِنْ يَقُولُونَ: مَعَنَا النَّظَرُ الْعَقْلِيُّ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُثْبِتُونَ لِلْعُلُوِّ فَيَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مَعَ فِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ الْعِبَادَ عَلَيْهَا وَضَرُورَةُ الْعَقْلِ وَمَعَ نَظَرِ الْعَقْلِ وَاسْتِدْلَالِهِ.