للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَالْمُعَادِ وَدَلَائِلِ الرُّبُوبِيَّةِ بِأُمُورِ وَزَعَمُوا أَنَّهَا أَدِلَّةٌ وَهِيَ عِنْدُ التَّحْقِيقِ لَيْسَتْ بِأَدِلَّةِ. وَلِهَذَا يَطْعَنُ بَعْضُهُمْ فِي أَدِلَّةِ بَعْضٍ. وَإِذَا اسْتَدَلُّوا بِدَلِيلِ صَحِيحٍ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ إنْ تَنَوَّعَتْ الْعِبَارَاتُ. وَلِهَذَا قَدْ يَسْتَدِلُّ بَعْضُهُمْ بِدَلِيلِ إمَّا صَحِيحٌ وَإِمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ فَيَطْعَنُ فِيهِ آخَرُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَذْكُرُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَيَكُونُ الَّذِي يَذْكُرُهُ دُونَ مَا ذَكَرَهُ ذَاكَ. وَهَذَا يُصِيبُهُمْ كَثِيرًا فِي الْحُدُودِ يَطْعَنُ هَؤُلَاءِ فِي حَدِّ هَؤُلَاءِ وَيَذْكُرُونَ حَدًّا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ. وَتَكُونُ الْحُدُودُ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ إذَا أُرِيدَ بِهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْحُدُودَ تُفِيدُ تَصْوِيرَ مَاهِيَّةِ الْمَحْدُودِ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَنْطِقِ فَهَؤُلَاءِ غالطون ضَالُّونَ كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنَّمَا الْحَدُّ مُعَرَّفٌ لِلْمَحْدُودِ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ لَكِنَّهُ يَفْصِلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِالْإِجْمَالِ. فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّرِيقِ الْمُفِيدِ لِلْعِلْمِ وَالْيَقِينِ كَاَلَّتِي بَيَّنَّهَا الْقُرْآنُ وَبَيَّنَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ طُرُقِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْبَاطِلَةِ شَرْعًا وَعَقْلًا.