للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذِهِ الْآيَةُ أغمض مِنْ آيَةِ الِاسْتِوَاءِ. وَلِهَذَا كَانَ أَبُو الْفَرَجِ يَمِيلُ إلَى تَأْوِيلِ هَذَا وَيُنْكِرُ قَوْلَ مَنْ تَأَوَّلَ الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ. قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَد: " الْعَرْشُ " السَّرِيرُ وَكُلُّ سَرِيرٍ لِلْمُلْكِ يُسَمَّى " عَرْشًا " وَقَلَّمَا يُجْمَعُ الْعَرْشُ إلَّا فِي الِاضْطِرَارِ. قُلْت: وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يُسَمَّى " عَرْشًا " لِارْتِفَاعِهِ. قُلْت: وَالِاشْتِقَاقُ يَشْهَدُ لِهَذَا كَقَوْلِهِ {وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} وَقَوْلِهِ {مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} . وَقَوْلُ سَعْدٍ: وَهَذَا كَافِرٌ بِالْعَرْشِ. وَمَقْعَدُ الْمَلِكِ يَكُونُ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ. فَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ عَالٍ عَلَيْهِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ هُوَ دُونَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَسَقْفُهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ} . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ أَعْلَى الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرٍ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْعَرْشِ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ:

مَجِّدُوا اللَّهَ فَهُوَ لِلْمَجْدِ أَهْلٌ … رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ أَمْسَى كَبِيرًا