للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِمَا يُخَافُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْجَزْمُ بِخُلُوِّ الْعَرْشِ فَلَمْ يَبْلُغْنَا إلَّا عَنْ طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْهُمْ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا - أَنَّهُ لَا يَزَالُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَا يَخْلُو الْعَرْشُ مِنْهُ مَعَ دُنُوِّهِ وَنُزُولِهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَهُ. وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَلَيْسَ نُزُولُهُ كَنُزُولِ أَجْسَامِ بَنِي آدَمَ مِنْ السَّطْحِ إلَى الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَبْقَى السَّقْفُ فَوْقَهُمْ بَلْ اللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ.

وَأَمَّا قَوْلُ النَّافِي: إنَّمَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ؛ فَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْنُّفَاةِ مِنْ الْمُثْبِتَةِ لِلْعُلُوِّ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْنُّفَاةِ لِلْعُلُوِّ وَالنُّزُولِ جَمِيعًا؛ فَيُجَابُ أَيْضًا بِوُجُوهِ: (أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَمْرَ وَالرَّحْمَةَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَلَائِكَةِ وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا صِفَاتٌ وَأَعْرَاضٌ. فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلَ. فَالْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهَذَا خَصَّ النُّزُولَ بِجَوْفِ اللَّيْلِ وَجَعَلَ مُنْتَهَاهُ سَمَاءَ الدُّنْيَا وَالْمَلَائِكَةُ لَا يَخْتَصُّ نُزُولُهُمْ لَا بِهَذَا الزَّمَانِ وَلَا بِهَذَا الْمَكَانِ. وَإِنْ أُرِيدَ صِفَاتٌ وَأَعْرَاضٌ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ فِي قُلُوبِ الْعَابِدِينَ فِي وَقْتِ السَّحَرِ مِنْ الرِّقَّةِ وَالتَّضَرُّعِ وَحَلَاوَةِ الْعِبَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا حَاصِلٌ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ مُنْتَهَاهُ السَّمَاءُ الدُّنْيَا.