للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} وَفِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا} فَجَمَعَ بَيْنَ حَمْدِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ وَهُوَ ظُلْمٌ وَجَهْلٌ وَهَذِهِ حَالُ مَنْ دَعَا غَيْرَ اللَّهِ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: مَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا: نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ طَعْنٌ فِي الشَّرْعِ أَيْضًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْكَرُوا الْأَسْبَابَ بِالْكُلِّيَّةِ وَجَعَلُوا وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ الطبعيين جَعَلُوهَا عِلَلًا مُقْتَضِيَةً وَكَمَا أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ فَرَّقُوا بَيْنَ أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ بَاطِلَةٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} وَقَالَ تَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ يُفْعَلُ عِنْدَهَا لَا بِهَا فَقَدْ خَالَفَ لَفْظَ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّ الْحِسَّ وَالْعَقْلَ يَشْهَدُ أَنَّهَا أَسْبَابٌ وَيَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَبْهَةِ وَبَيْنَ الْعَيْنِ فِي اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِقُوَّةِ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ وَبَيْنَ الْخُبْزِ وَالْحَصَى فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِذَاءُ دُونَ الْآخَرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ بَلْ هُوَ أَيْضًا قَدْحٌ فِي الْعَقْلِ فَإِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ لِمَا نِيطَ بِهَا فَمَنْ جَعَلَ