وَفِي غَيْرِهَا كُلُّهُ يَدُورُ عَلَى هَذَا وَتَارَةً يُشَبِّهُ تَحْرِيكَهُ لِلْفَلَكِ بِتَحَرِّيك الْمَعْشُوقِ لِلْعَاشِقِ لَكِنَّ التَّحْرِيكَ هُنَا قَدْ يَكُونُ لِمَحَبَّةِ الْعَاشِقِ ذَاتَ الْمَعْشُوقِ أَوْ لِغَرَضٍ يَنَالُهُ مِنْهُ وَحَرَكَةُ الْفَلَكِ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ يَتَحَرَّكُ لِيَتَشَبَّهَ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَهُوَ يُحِبُّهَا أَيْ يُحِبُّ التَّشَبُّهَ بِهَا لَا يُحِبُّ أَنْ يَعْبُدَهَا وَلَا يُحِبَّ شَيْئًا يَحْصُلُ مِنْهَا وَيُشَبِّهُ ذَلِكَ أَرِسْطُو بِحَرَكَةِ النَّوَامِيسِ لِأَتْبَاعِهَا أَيْ أَتْبَاعِ النَّامُوسِ قَائِمُونَ بِمَا فِي النَّامُوسِ وَيَقْتَدُونَ بِهِ وَالنَّامُوسُ عِنْدَهُمْ هِيَ السِّيَاسَةُ الْكُلِّيَّةُ لِلْمَدَائِنِ الَّتِي وَضَعَهَا لَهُمْ ذَوُو الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ لِمَصْلَحَةِ دُنْيَاهُمْ؛ لِئَلَّا يَتَظَالَمُوا وَلَا تَفْسُدَ دُنْيَاهُمْ. وَمَنْ عَرَفَ النُّبُوَّاتِ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ جِنْسِ نَوَامِيسِهِمْ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا مَصْلَحَةُ الدُّنْيَا؛ بِوَضْعِ قَانُونِ عدلي؛ وَلِهَذَا أَوْجَبَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ النُّبُوَّةَ وَجَعَلُوا النُّبُوَّةَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِأَجْلِ وَضْعِ هَذَا النَّامُوسِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحِكْمَةُ الْعَمَلِيَّةُ عِنْدَهُمْ هِيَ الْخِلْقِيَّةُ وَالْمَنْزِلِيَّةُ وَالْمَدَنِيَّةُ: جَعَلُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْحِكْمَةِ الْخِلْقِيَّةِ وَالْمَنْزِلِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ. فَإِنَّ الْقَوْمَ لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ بَلْ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ مِنْ كُفَّارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِكَثِيرِ. وَأَرِسْطُو الْمُعَلِّمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ إلَى الْغَايَةِ. لَكِنْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ بِالْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَهَذَا بَحْرُ عِلْمِهِمْ وَلَهُ تَفَرَّغُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute