للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. فَالسَّعِيدُ يَسْتَغْفِرُ مِنْ المعائب وَيَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} وَالشَّقِيُّ يَجْزَعُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ وَيَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ عَلَى المعائب؛ وَإِلَّا فَآدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ وَقَدْ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَهَدَاهُ وَمُوسَى أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَلُومَ أَحَدًا عَلَى ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ وَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَضْلًا عَنْ آدَمَ وَهُوَ أَيْضًا قَدْ تَابَ مِمَّا فَعَلَ حَيْثُ قَالَ: {رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} وَقَالَ: {إنَّا هُدْنَا إلَيْكَ} وَقَالَ: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} وَمُوسَى وَآدَمُ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ يَظُنَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنَّ الْقَدَرَ عُذْرٌ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ وَقَدْ عَلِمَا مَا حَلَّ بإبليس وَغَيْرِ إبْلِيسَ وَآدَمُ نَفْسُهُ قَدْ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ وَطَفِقَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَقَدْ عَاقَبَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْأُمَمِ وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ عُقُوبَةَ الْمُعْتَدِينَ وَأَعَدَّ جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ الْقَدَرُ عُذْرًا لِلذَّنْبِ. وَهَؤُلَاءِ لَا يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ إلَّا إذَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ لِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَطْرُدُونَ حُجَّتَهُمْ فَإِنَّ الْقَدَرَ لَوْ كَانَ عُذْرًا لِلْخَلْقِ لَلَزِمَ أَنْ لَا يُلَامَ أَحَدٌ وَلَا يُذَمَّ وَلَا يُعَاقَبَ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُقْتَصَّ مِنْ ظَالِمٍ أَصْلًا بَلْ يُمْكِنُ النَّاسُ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يَشْتَهُونَ مُطْلَقًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ أَحَدٍ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُوَ مُوجِبٌ الْفَسَادَ الْعَامَّ وَصَاحِبُ