ثُمَّ إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةُ اخْتِلَاطِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ لِعَيْنِهِ كَاخْتِلَاطِ النَّجَاسَاتِ بِالْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ فَأَهْلُ الْكُوفَةِ يُحَرِّمُونَ كُلَّ مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ثُمَّ يُقَدِّرُونَ مَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ بِمَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَيُقَدِّرُونَهُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْبِئْرَ إذَا وَقَعَتْ فِيهَا النَّجَاسَةُ لَمْ تَطْهُرْ؛ بَلْ تَطُمُّ. وَالْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: تُنْزَحُ إمَّا دِلَاءٌ مُقَدَّرَةٌ مِنْهَا؛ وَإِمَّا جَمِيعُهَا عَلَى مَا قَدْ عُرِفَ لِأَجْلِ قَوْلِهِمْ يَنْجُسُ الْمَاءُ وَالْمَائِعُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ بِعَكْسِ ذَلِكَ فَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ عِنْدَهُمْ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ لَكِنْ لَهُمْ فِي قَلِيلِ الْمَاءِ هَلْ يَتَنَجَّسُ بِقَلِيلِ النَّجَاسَةِ؟ قَوْلَانِ. وَمَذْهَبُ أَحْمَد قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ هَذَانِ يُقَدِّرَانِ الْقَلِيلَ بِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ دُونَ مَالِكٍ. وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْأَطْعِمَةِ خِلَافٌ؛ وَكَذَلِكَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد نِزَاعٌ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ وَالِاسْمُ الَّذِي بِهِ أُبِيحَ قَبْلَ الْوُقُوعِ بَاقٍ وَقَدْ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِئْرِ بضاعة وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ الْأَحَادِيثَ لَيْسَ بِصَرِيحِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فِيهِ وَهُوَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَخُصُّ الْبَوْلَ بِالْحُكْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute