أَوَّلًا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ ثُمَّ حَلَفَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ السُّكْنَى فَإِذَا سَكَنَ كَانَ الْأَوَّلُ بَعْضَ الثَّانِي فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ إذَا قِيلَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ عَلَى أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَفَعَلَهُ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ؛ بَلْ حَرَّمَهَا تَحْرِيمًا: فَهَذَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ: يَقُولُونَ: إنَّ الْحَرَامَ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إذَا لَمْ يَنْوِهِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَتْبَاعِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ صَارَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ: فَهَذَا لَيْسَ مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ. وَقَدْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَرَوْنَ لَفْظَ " الظِّهَارِ " صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى تَظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُجَادِلَةِ الَّتِي ثَبَتَ حُكْمُهَا فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ} وَأَفْتَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا بِالطَّلَاقِ حَتَّى نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ وَجَعَلَ الظِّهَارَ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute