للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّهُ مَا ثَمَّ إلَّا الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ أَوْ هَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ لَيْسَ بِحَقِّ. وَيُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ: فَتِلْكَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ أَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ؟ أَمْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ؟ فَإِنْ قُلْت: هِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَك مَا فَرَرْت مِنْهُ حَيْثُ أَقْرَرْت أَنَّ لِلَّهِ كَلَامًا هُوَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ كَمَا يَقُولُهُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ قُلْت: لَيْسَتْ كَلَامًا لِلَّهِ فَهَذِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا لِلَّهِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْقُرْآنُ كَلَامَ اللَّهِ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَنْ قَالَ لَفْظِي عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ: فَقَدْ انْسَلَخَ عَنْ رِبْقَةِ الْعَقْلِ وَغَرِقَ فِي بَحْرِ العماية وَالْجَهْلِ. فَيُقَالُ: قَوْلُ الْقَائِلِ: لَفْظِي " عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ " كَلَامٌ مُجْمَلٌ. فَإِنَّ " اللَّفْظَ " فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ لَفَظَ يَلْفِظُ لَفْظًا كَمَا أَنَّ " التِّلَاوَةَ وَالْقِرَاءَةَ " فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ تَلَا يَتْلُو وَقَرَأَ يَقْرَأُ وَيُعَبِّرُ بِاللَّفْظِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ عَنْ نَفْسِ الْكَلَامِ الْمَلْفُوظِ بِهِ الْمَتْلُوِّ الْمَقْرُوءِ. فَإِنَّ النَّاسَ إذَا قَالُوا: اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى. لَمْ يُرِيدُوا بِاللَّفْظِ الْمَصْدَرَ؛ بَلْ يُرِيدُونَ بِهِ الْمَلْفُوظَ بِهِ. وَإِذَا قَالُوا لِمَنْ سَمِعُوهُ يَتَكَلَّمُ: هَذِهِ أَلْفَاظٌ حَسَنَةٌ أَرَادُوا بِهِ مَا يَلْفِظُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ