للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذِهِ الصِّفَاتُ الْمُطْلَقَاتُ عَنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا لِمَنْ يَنْظُرُ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ. فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ظَنِّ وُجُودِهَا ضَلَّ طَوَائِفُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ بَلْ إذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ إنَّمَا يَعْنُونَ بِهِ مُطْلَقًا عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ وَمُقَيَّدًا بِذَلِكَ الْقَيْدِ. كَمَا يَقُولُونَ: الرَّقَبَةُ مُطْلَقَةٌ فِي آيَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَمُقَيَّدَةٌ فِي آيَةِ الْقَتْلِ. أَيْ مُطْلَقَةٌ عَنْ قَيْدِ الْإِيمَانِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} . فَقُيِّدَتْ بِأَنَّهَا رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّحْرِيرَ. وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْمُطْلَقِ الْمَحْضِ يَقُولُونَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَّصِفُ بِوَحْدَةِ وَلَا كَثْرَةٍ وَلَا وُجُودٍ وَلَا عَدَمٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ كَمَا يَذْكُرُهُ الرَّازِي تَلَقِّيًا لَهُ عَنْ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ وَالتَّقَيُّدِ وَالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا وَبَيَّنَّا مِنْ غَلَطِ هَؤُلَاءِ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا " الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ " وَهُوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِاللَّفْظِ مُطْلَقًا عَنْ كُلِّ قَيْدٍ وَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إلَّا بِكَلَامِ مُؤَلَّفٍ مُقَيَّدٍ مُرْتَبِطٍ بَعْضُهُ بِبَعْضِ فَتَكُونُ تِلْكَ قُيُودًا مُمْتَنِعَةَ الْإِطْلَاقِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَرْقٌ مَعْقُولٌ يُمْكِنُ بِهِ التَّمْيِيزُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ بَاطِلٌ وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ لَفْظٍ مَوْجُودٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا يُبَيِّنُ مَعْنَاهُ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَجَازٌ بَلْ كُلُّهُ حَقِيقَةٌ. وَلِهَذَا لَمَّا ادَّعَى كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مَجَازًا وَذَكَرُوا مَا يَشْهَدُ