للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَكِنْ لَمَّا حَدَّثَ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ كُلَّابٍ وَنَاظَرَ الْمُعْتَزِلَةَ بِطَرِيقِ قِيَاسِيَّةٍ سَلَّمَ لَهُمْ فِيهَا أُصُولًا - هُمْ وَاضِعُوهَا: مِنْ امْتِنَاعِ تَكَلُّمِهِ تَعَالَى بِالْحُرُوفِ وَامْتِنَاعِ قِيَامِ " الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ " بِذَاتِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ - اضْطَرَّهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ كَلَامُ اللَّهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْمَعْنَى وَإِنَّ الْحُرُوفَ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ؛ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي أَنَّ الرَّبَّ كَانَ فِي الْأَزَلِ آمِرًا نَاهِيًا أَوْ صَارَ آمِرًا نَاهِيًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَفِي أَنَّ " الْكَلَامَ " هَلْ هُوَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيُّ أَوْ خَمْسُ صِفَاتٍ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ كُلَّابٍ. وَصَارَ هَؤُلَاءِ مُخَالِفِينَ لِأَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فِي شَيْئَيْنِ. (أَحَدُهُمَا أَنَّ نِصْفَ الْقُرْآنِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرِ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ؛ بَلْ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ أَحْدَثَهُ جِبْرِيلُ أَوْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَؤُلَاءِ فِي كَوْنِهِمْ جَعَلُوا نِصْفَ الْقُرْآنِ مَخْلُوقًا مُوَافِقِينَ لِمَنْ قَالَ بِخَلْقِهِ؛ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا النِّصْفَ الْمَخْلُوقَ كَلَامُ اللَّهِ وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: هُوَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ اللَّهِ وَهُوَ كَلَامُهُ؛ لَكِنَّ أُولَئِكَ لَا يَجْعَلُونَ لِلَّهِ كَلَامًا مُتَّصِلًا بِهِ قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَلَا مَعَانِيَ وَلَا حُرُوفًا. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لِلَّهِ كَلَامٌ قَائِمٌ بِهِ