للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُكْمِ اللَّهِ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ: وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك} . وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّهُ إذَا حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا فَنَزَلُوا عَلَى حَكَمِ حَاكِمٍ جَازَ؛ إذَا كَانَ رَجُلًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِمَا فِيهِ حَظُّ الْإِسْلَامِ: مِنْ قَتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ فِدَاءٍ. وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا حَكَمَ بِالْمَنِّ فَأَبَاهُ الْإِمَامُ: هَلْ يَلْزَمُ حُكْمُهُ أَوْ لَا يَلْزَمُ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ لِظَنِّ الْمُنَازِعِ أَنَّ الْمَنَّ لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ. و " الْمَقْصُودُ " أَنَّ تَخْيِيرَ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ الَّذِي نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ هُوَ تَخْيِيرُ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ يَطْلُبُ أَيَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَعَلَهُ كَمَا يَنْظُرُ الْمُجْتَهِدُ فِي أَدِلَّةِ الْمَسَائِلِ فَأَيُّ الدَّلِيلَيْنِ كَانَ أَرْجَحَ اتَّبَعَهُ؛ وَلَكِنْ مَعْنَى قَوْلِنَا " تَخْيِيرٌ " أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِعْلُ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ بَلْ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِعْلُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً. وَقَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} يَقْتَضِي فِعْلَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ؛ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَغْيِيرَ هَذَا فِي حَالٍ وَهَذَا فِي حَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} فَتَرَبُّصُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ بِعَيْنِهِ إذَا كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ فَحِينَئِذٍ يُصِيبُهُ اللَّهُ بِعَذَابٍ بِأَيْدِينَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}