للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ اعْتِكَافًا أَوْ أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا أَوْ نَذَرَ أَنْ يُسَافِرَ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمَقْدِسِ: فَفِيهِ " قَوْلَانِ " لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ. " أَحَدُهُمَا " لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمَنْ أَصْلُهُ أَنْ لَا يَجِبَ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ: كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ: فَيَجِبُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعِنْدَ مَالِكٍ؛ فَلِهَذَا وَجَبَ عِنْدَهُ. وَإِتْيَانُ الْمَسْجِدِ لَيْسَ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ فَلَا يَجِبُ عِنْدَهُ بِالنَّذْرِ. و " الْقَوْلُ الثَّانِي " يَجِبُ الْوَفَاءُ إذَا نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدَيْنِ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَاعَةٌ لِلَّهِ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ} هَذَا إنْ كَانَ قَصَدَ أَنْ يُسَافِرَ لِلْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَلِلِاعْتِكَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ نَفْسَ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِلْعِبَادَةِ فِي مَسْجِدِهِ لَمْ يَفِ بِهَذَا النَّذْرِ؛ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا} أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.