للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعَ أَنَّهَا أُمُورٌ اخْتِيَارِيَّةٌ وَلَهَا مُنَاسَبَاتٌ فَتُنَاسِبُ أَهْلَ مَكَانٍ وَزَمَانٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا تُنَاسِبُ أَهْلَ زَمَانٍ آخَرَ كَمَا يَخْتَارُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ وَالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ مَا لَا يَخْتَارُونَهُ فِي الصَّيْفِ وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ مَعَ وُجُودِ الْمُنَاسَبَةِ الدَّاعِيَةِ لَهُمْ؛ إذْ كَانُوا يَخْتَارُونَ فِي الْحَرِّ مِنْ الْمَأْكَلِ الْخَفِيفِ وَالْفَاكِهَةِ مَا يَخِفُّ هَضْمُهُ لِبَرْدِ بَوَاطِنِهِمْ وَضَعْفِ الْقُوَى الْهَاضِمَةِ وَفِي الشِّتَاءِ وَالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ. يَخْتَارُونَ مِنْ الْمَآكِلِ الْغَلِيظَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْحَرَارَةِ الْهَاضِمَةِ فِي بَوَاطِنِهِمْ أَوْ كَانَ زَمَنَ الشِّتَاءِ تَسْخُنُ فِيهِ الْأَجْوَافُ وَتَبْرُدُ الظَّوَاهِرُ مِنْ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ وَالشَّجَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِ الْهَوَاءِ يَبْرُدُ فِي الشِّتَاءِ وَشَبِيهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ فَيَنْجَذِبُ إلَيْهِ الْبَرْدُ فَتَسْخُنُ الْأَجْوَافُ وَفِي الْحَرِّ يَسْخُنُ الْهَوَاءُ فَتَنْجَذِبُ إلَيْهِ الْحَرَارَةُ فَتَبْرُدُ الْأَجْوَافُ فَتَكُونُ الْيَنَابِيعُ فِي الصَّيْفِ بَارِدَةً لِبَرْدِ جَوْفِ الْأَرْضِ وَفِي الشِّتَاءِ تَسْخُنُ لِسُخُونَةِ جَوْفِ الْأَرْضِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ بَشَرًا مِنْ النَّاسِ لَيْسَ عَبَّادَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَحْدَهُ؛ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بَلْ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَيَانِ يُثْبِتُونَ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي وَيُقَسِّمُونَ الِاشْتِقَاقَ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:

الِاشْتِقَاقُ الْأَصْغَرُ: وَهُوَ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ وَالتَّرْتِيبِ: مِثْلَ عِلْمٍ وَعَالِمٍ وَعَلِيمٍ.

وَالثَّانِي الِاشْتِقَاقُ الْأَوْسَطُ: وَهُوَ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْحُرُوفِ دُونَ التَّرْتِيبِ