يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهَا لِذَاتِهِ، فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهَا إنْعَامٌ إلَى عِبَادِهِ كَالثَّقَلَيْنِ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا آيَاتٌ يَحْصُلُ بِهَا هِدَايَتُهُمْ، وَتَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ، وَصِدْقِ أَنْبِيَائِهِ، وَلِهَذَا قَالَ عَقِيبَهُ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} . قِيلَ: مُحَمَّدٌ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، يَقُولُ: هَذَا نَذِيرٌ أَنْذَرَ بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَالْكُتُبُ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ: مِنْ النُّذُرِ الْأُولَى، أَيْ مِنْ جِنْسِهَا، فَأَفْضَلُ النِّعَمِ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا مَا يَحْصُلُ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ، قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وَقَالَ: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} .
وَمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ إنْ كَانَ يَسُرُّهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَسُوءُهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُكَفِّرُ خَطَايَاهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ بِالصَّبْرِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ حِكْمَةً وَرَحْمَةً لَا يَعْلَمُهَا الْعَبْدُ، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} الْآيَةَ، وَكِلْتَا النِّعْمَتَيْنِ تَحْتَاجُ مَعَ الشُّكْرِ إلَى الصَّبْرِ، أَمَّا الضَّرَّاءُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا نِعْمَةُ السَّرَّاءِ فَتَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ فِيهَا، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: اُبْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، وَابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ، فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْمَسَاكِينُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي السَّرَّاءِ اللَّذَّةُ، وَفِي الضَّرَّاءِ الْأَلَمُ، اشْتَهَرَ ذِكْرُ الشُّكْرِ فِي السَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ فِي الضَّرَّاءِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} - إلَى قَوْلِهِ - {إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute