للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ يَذْكُرُ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَيَقُولُ عَقِبَهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالَ طَائِفَةٌ - وَاللَّفْظُ للبغوي - ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} قَالَ كُلَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْلِهِ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فَإِنَّهُ مَوَاعِظُ وَهُوَ نِعْمَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَزْجُرُ عَنْ الْمَعَاصِي، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: الزَّجَّاجُ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، فِي الْآيَاتِ أَيْ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا نِعَمٌ فِي دِلَالَتِهَا إيَّاكُمْ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَرِزْقِهِ إيَّاكُمْ مَا بِهِ قِوَامُكُمْ، هَذَا قَالُوهُ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ تُشَكِّكُ، وَقِيلَ: تَشُكُّ وَتُجَادِلُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُكَذِّبُ. قُلْتُ ضُمِّنَ تَتَمَارَى مَعْنَى تُكَذِّبُ، وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنْ الْمِرَاءِ، يُقَالُ: تَمَارَيْنَا فِي الْهِلَالِ، وَمِرَاءٌ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ، وَهُوَ يَكُونُ لِتَكْذِيبِ وَتَشْكِيكٍ. وَيُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْخِطَابُ لَهُمْ. قَالَ: تَتَمَارَى، أَيْ يَتَمَارَوْنَ، وَلَمْ يَقُلْ: تَمْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّفَاعُلَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ. قَالُوا: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى} قِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْهِ فَقَالَ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى}] (*). كَمَا قَالَ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. فَفِي كُلِّ مَا خَلَقَهُ إحْسَانٌ إلَى عِبَادِهِ يُشْكَرُ عَلَيْهِ، وَلَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ تَعُودُ إلَيْهِ


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٧١):
والصواب: (ثم التفت إليه فقال: " فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى " كما في ١٤/ ٣٠٢، وكما يقتضيه السياق.