وَأَمَّا الْجَهْمِيَّة مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فَيَمْتَنِعُ عَلَى أَصْلِهِمْ لِقَاءُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَخَالَفُوا بِذَلِكَ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَاحْتَجُّوا بِحُجَجِ كَثِيرَةٍ عَقْلِيَّةٍ وَنَقْلِيَّةٍ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهَا مَبْسُوطًا وَذَكَرْنَا دَلَالَةَ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ عَلَى جَوَازِ الرُّؤْيَةِ.
وَهَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي كَانَ يَشْتَدُّ نَكِيرُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِيهَا وَصَنَّفُوا فِيهَا مُصَنَّفَاتٍ مَشْهُورَةً. وَالثَّانِي: أَنَّ عِنْدَهُمْ لَا يُتَصَوَّرُ الْكَدْحُ إلَيْهِ وَلَا الْعَرْضُ عَلَيْهِ وَلَا الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُحِبَّهُ الْعَبْدُ وَلَا أَنْ يَجِدَهُ وَلَا أَنْ يُشَارَ إلَيْهِ وَلَا أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ وَلَا يَئُوبُ إلَيْهِ؛ إذْ هَذِهِ الْحُرُوفُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَالُ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ - وَبَيْنَهُمَا فَضْلٌ - يَقْتَضِي تَقَرُّبًا إلَيْهِ وَدُنُوًّا مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ حَالُ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُخَالِفٌ لِحَالِهِ فِي الدُّنْيَا وَهَذَا كُلُّهُ مُحَالٌ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ الْخَالِقَ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقِ - كَمَا اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لِلْخَلْقِ؛ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا الْمَخْلُوقَاتُ دَاخِلَةً فِيهِ - بَلْ تَارَةً يَجْعَلُونَهُ حَالًّا بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ؛ وَتَارَةً يَجْعَلُونَ وَجُودَهُ عَيْنَ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ وَتَارَةً يَصِفُونَهُ بِالْأُمُورِ السَّلْبِيَّةِ الْمَحْضَةِ؛ مِثْلُ كَوْنِهِ غَيْرَ مُبَايِنٍ لِلْعَالَمِ وَلَا حَالٍّ فِيهِ فَهُمْ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute