للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكِنْ الْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ: الْإِحْسَانُ إلَى الْغَيْرِ حَسَن لِذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمُحْسِنِ مِنْهُ فَائِدَة. وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ: مَا حَسُنَ مِنَّا حَسَن مِنْهُ وَمَا قَبَّحَ مِنَّا قُبْح مِنْهُ وَالْآخَرُونَ مَعَ جُمْهُورِ الْخَلَائِقِ يُنْكِرُونَ وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ: إذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ فَقَدْ أَرَادَهُ مِنَّا. لَا يَعْقِلُ الْحَسَن وَالْقَبِيح إلَّا مَا يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ كَنَحْوِ مَا يَأْمُرُ الْوَاحِد مِنَّا غَيْره بِشَيْءِ فَإِنَّهُ لابد أَنْ يُرِيدَهُ مِنْهُ وَيُعِينَهُ عَلَيْهِ وَقَدْ أَقْدِرُ الْكَفَّار بِغَايَةِ الْقُدْرَةِ وَلَمْ يُبْقِ يُقَدِّرُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ يُؤَمِّنُونَ اخْتِيَارًا وَإِنَّمَا كُفْرُهُمْ وَفُسُوقُهُمْ وَعِصْيَانُهُمْ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ. وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: الْأَمْرُ لَيْسَ بِمُسْتَلْزَمِ الْإِرَادَةِ أَصْلًا وَقَدْ بَيَّنَتْ التَّوَسُّط بَيْن هَذَيْنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَذَلِكَ أَمَرَهُ. وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَة الْعِبَادِ وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ أَمْرَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ. وَهُنَا مُقَدِّمَات تُكْشَفُ هَذِهِ الْمُشْكِلَات.

إحْدَاهَا أَنَّهُ لَيْسَ مَا حَسُنَ مِنْهُ حَسَن مِنَّا وَلَيْسَ مَا قَبَّحَ مِنْهُ يُقَبِّحُ مِنَّا فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَة شَبَّهَتْ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ يُحَسِّنُ مِنَّا لِجَلْبِهِ الْمَنْفَعَةَ وَيُقَبِّحُ لِجَلْبِهِ الْمُضِرَّة وَيَحْسُنُ لِأَنَّا أَمَرْنَا بِهِ وَيُقَبِّحُ لِأَنَّا نَهَيْنَا عَنْهُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُنْتَفِيَانِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا وَلَوْ كَانَ