وَالْوَقْفُ إنَّمَا مُنِعَ بَيْعُهُ لِئَلَّا يُبْطِلَ حَقَّ مُسْتَحِقِّيهِ. وَهَذِهِ يَجُوزُ فِيهَا إبْدَالُ شَخْصٍ بِشَخْصِ بِالِاتِّفَاقِ فَسَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ غَيْرِهَا. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ شَوْبُ التَّحْرِيرِ وَالتَّمْلِيكِ؛ وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ: هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِهِ كَالْهِبَةِ؛ أَوْ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِهِ كَالْعِتْقِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ؛ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ. وَالْوَقْفُ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَقْرَبُ إلَى التَّمْلِيكِ مِنْ وَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُوقَفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ؛ وَوَقْفُ الْمَسَاجِدِ أَشْبَه بِالتَّحْرِيرِ مِنْ غَيْرِهَا؛ فَإِنَّهَا خَالِصَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} وَالْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ كَمَا أَنَّ الْعَتِيقَ صَارَ حُرًّا أَيْ خَالِصًا لِلَّهِ. " وَالتَّحْرِيرُ " التَّخْلِيصُ مِنْ الرِّقِّ وَمِنْهُ الطِّينُ الْحُرُّ وَهُوَ الْخَالِصُ. فَالْعِتْقُ تَخْلِيصُ الْعَبْدِ لِلَّهِ. وَلِهَذَا مَنَعَ الشَّارِعُ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ مَمْلُوكِهِ حُرًّا وَبَعْضَهُ رَقِيقًا وَقَالَ: " لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ " فَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " {مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ} " وَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute