للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ:

وَقَدْ سَلَكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ النُّظَّارِ - أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ - أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَدِلَّةِ هَؤُلَاءِ وَأَدِلَّةِ هَؤُلَاءِ وَرَأَوْا أَنَّ هَذَا غَايَةُ الْمَعْرِفَةِ وَسَمَّوْا " الْجَوَابَ " الَّذِي أَجَابُوا بِهِ الْفَلَاسِفَةَ عَنْ حُجَجِهِمْ " الْجَوَابَ الْبَاهِرَ " فَوَافَقُوا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَأَخْطَئُوا وَتَنَاقَضُوا لَمَّا جَمَعُوا بَيْنَ خَطَأِ الطَّائِفَتَيْنِ. فَكَانَ قَوْلُهُمْ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ إذْ كَانَ خَطَأُ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَنَاقِضًا غَايَةَ التَّنَاقُضِ. وَأَمَّا مَا أَصَابَتْ فِيهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ؛ فَلَوْ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا لَكَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ وَلِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْأَدِلَّةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا الرُّسُلُ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ خَرَجُوا عَنْ مُوجَبِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ مَعَ ظَنِّهِمْ نِهَايَةَ التَّحْقِيقِ وَلَهُمْ بِذَلِكَ أُسْوَةٌ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ؛ فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمُوجَبِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ هُوَ مَا تَصَادَقَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مُتَلَقِّينَ لَهُ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ خَبَرِهِ وَمِنْ جِهَةِ تَعْلِيمِهِ وَبَيَانِهِ لِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ. مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرُّسُلَ لَمْ يُبَيِّنُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ