للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى قَوْلِ مَنْ يُفَسِّرُ (يَعْبُدُونَ) بِمَعْنَى يَعْرِفُونَ يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ الَّتِي أُمِرَ بِهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ؛ لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ هُودٍ. فَإِنَّ بَعْضَ الْقَدَرِيَّةِ زَعَمَ أَنَّ تِلْكَ اللَّامِ لَامُ الْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ: أَيْ صَارَتْ عَاقِبَتُهُمْ إلَى الرَّحْمَةِ وَإِلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ الْخَالِقُ وَجَعَلُوا ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ هُنَا لِأَنَّ لَامَ الْعَاقِبَةِ إنَّمَا تَجِيءُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ ومصايرها فَيَفْعَلُ الْفِعْلَ الَّذِي لَهُ عَاقِبَةٌ لَا يَعْلَمُهَا كَآلِ فِرْعَوْنَ فَأَمَّا مَنْ يَكُونُ عَالِمًا بِعَوَاقِبِ الْأَفْعَالِ ومصايرها فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لَهُ عَاقِبَةٌ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَتَهُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ فِعْلَهُ لَهُ عَاقِبَةٌ فَلَا يَقْصِدُ بِفِعْلِهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَإِنَّ ذَلِكَ تَمَنٍّ وَلَيْسَ بِإِرَادَةِ. وَأَمَّا اللَّامُ فَهِيَ اللَّامُ الْمَعْرُوفَةُ وَهِيَ لَامُ كَيْ وَلَامُ التَّعْلِيلِ الَّتِي إذَا حُذِفَتْ انْتَصَبَ الْمَصْدَرُ الْمَجْرُورُ بِهَا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ وَتُسَمَّى الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ وَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الْوُجُودِ وَالْحُصُولِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الْمُرَادُ الْمَطْلُوبُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفِعْلِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى نَوْعَيْنِ: