وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمَتْ الْعُمُومَ وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ عَامَّتُهُمْ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهَا. وَأَيْضًا فَنَقُولُ: عَلَى الرَّأْسِ. سَلَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ بِهَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَا سِوَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْزَمُ بِهَا حُكْمٌ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِهِ كَالْحَلِفِ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ أَوْ: وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِهِ كَالِاسْتِعَاذَةِ بِهَا - وَإِنْ كَانَتْ الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَعُوذُ بِوَجْهِك} {وَأَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ} {وَأَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك} وَنَحْوِ ذَلِكَ - وَهَذَا أَمْرٌ مُتَقَرِّرٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْحَلِفُ بِالنَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا هُوَ حَلِفٌ بِصِفَاتِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ. فَقَدْ حَلَفَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَإِيجَابُ الْحَجِّ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. وَإِذَا قَالَ: فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ. فَقَدْ حَلَفَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الَّذِي هُوَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} فَجَعَلَ صُدُورَهُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ مِنْ آيَاتِهِ؛ لَكِنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ فَقَدْ عَقَدَ الْيَمِينَ لِلَّهِ كَمَا يَعْقِدُ النَّذْرَ لِلَّهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: عَلَيَّ الْحَجُّ وَالصَّوْمُ. عَقْدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute