للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلَّهِ؛ وَلَكِنْ إذَا كَانَ حَالِفًا فَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ الْعَقْدَ لِلَّهِ بَلْ قَصَدَ الْحَلِفَ بِهِ فَإِذَا حَنِثَ وَلَمْ يُوَفِّ بِهِ فَقَدْ تَرَكَ مَا عَقَدَ لِلَّهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ فَقَدْ تَرَكَ مَا عَقَدَهُ لِلَّهِ. " يُوَضِّحُ ذَلِكَ " أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يُعَظِّمُهُ بِالْحَلِفِ فَإِنَّمَا حَلَفَ بِهِ لِيَعْقِدَ بِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَيَرْبِطَهُ بِهِ لِأَنَّهُ يُعَظِّمُهُ فِي قَلْبِهِ إذَا رَبَطَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَحِلَّهُ؛ فَإِذَا حَلَّ مَا رَبَطَهُ بِهِ فَقَدْ انْتَقَصَتْ عَظَمَتُهُ مِنْ قَلْبِهِ وَقَطَعَ السَّبَبَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَكَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْيَمِينُ الْعَقْدُ عَلَى نَفْسِهِ لِحَقِّ مَنْ لَهُ حَقٌّ وَلِهَذَا. إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ غَمُوسًا كَانَتْ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَذَكَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدِّ الْكَبَائِرِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ أَنْ يَعْقِدَ بِاَللَّهِ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا بِهِ فَقَدْ نَقَصَ الصِّلَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ بِمَا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ أَوْ تَبَرَّأَ مِنْ اللَّهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ عَقَدَ بِاَللَّهِ فِعْلًا قَاصِدًا لِعَقْدِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ؛ لَكِنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُ حَلَّ هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَهُ؛ كَمَا يُبِيحُ لَهُ تَرْكَ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ لِحَاجَةِ أَوْ يُزِيلُ عَنْهُ وُجُوبَهَا. وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إذَا قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ. أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ. فَهِيَ يَمِينٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَ عَدَمَ