للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالرَّابِع: مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ {عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَسَاقِفَةٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ: مِنْهُمْ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِفْ لَنَا رَبَّك مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ رَبِّي لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ بَائِنٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} } فَهَؤُلَاءِ سَأَلُوا هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَخْلُوقَاتِ؟ وَهَلْ هُوَ مِنْ مَادَّةٍ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَحَدٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَنَّهُ صَمَدٌ لَيْسَ مِنْ مَادَّةٍ بَلْ هُوَ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَإِذَا نَفَى عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مَوْلُودًا مِنْ مَادَّةِ الْوَالِدِ؛ فَلَأَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَادِّ أَوْلَى وَأَحْرَى فَإِنَّ الْمَوْلُودَ مِنْ نَظِيرِ مَادَّتِهِ أَكْمَلُ مِنْ مَادَّةِ مَا خُلِقَ مِنْ مَادَّةٍ أُخْرَى كَمَا خُلِقَ آدَمَ مِنْ الطِّينِ فَالْمَادَّةُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا أَوْلَادُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَادَّةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا هُوَ وَلِهَذَا كَانَ خَلْقُهُ أَعْجَبَ. فَإِذَا نَزَّهَ الرَّبَّ عَنْ الْمَادَّةِ الْعُلْيَا فَهُوَ عَنْ الْمَادَّةِ السُّفْلَى أَعْظَمُ تَنْزِيهًا وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنَزَّهًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ كُفُوًا لَهُ فَلَأَنْ يَكُونَ مُنَزَّهًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّنْزِيهِ وَالتَّحْمِيدِ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَلِهَذَا كَانَتْ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. فَالصَّمَدِيَّةُ تُثْبِتُ الْكَمَالَ الْمُنَافِيَ لِلنَّقَائِصِ. والأحدية تُثْبِتُ الِانْفِرَادَ بِذَلِكَ،