للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (إنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) إنَّمَا الْمَسْمُوعُ وَالْمُبْصَرُ لَمْ يَخَفْ عَلَى عَيْنِي وَلَا عَلَى سَمْعِي أَنْ أُدْرِكَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا لَا بِالْحَوَادِثِ فِي اللَّهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَحْدُثُ لِلَّهِ اسْتِمَاعٌ مَعَ حُدُوثِ الْمَسْمُوعِ وَإِبْصَارٌ مَعَ حُدُوثِ الْمُبْصَرِ: فَقَدْ زَادَ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِنَّمَا عَلَى الْعِبَادِ التَّسْلِيمُ لِمَا قَالَ اللَّهُ: إنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَلَا نَزِيدُ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى نَعْلَمَ} حَتَّى يَكُونَ الْمَعْلُومُ وَكَذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْمُبْصِرُ وَالْمَسْمُوعُ؛ فَلَا يَخْفَى عَلَى أَنْ يَعْلَمَهُ مَوْجُودًا وَيَسْمَعَهُ مَوْجُودًا؛ كَمَا عَلِمَهُ بِغَيْرِ حَادِثِ عِلْمٍ فِي اللَّهِ وَلَا بَصَرٍ وَلَا سَمْعَ وَلَا مَعْنَى حَدَثَ فِي ذَاتِ اللَّهِ؛ تَعَالَى عَنْ الْحَوَادِثِ فِي نَفْسِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْصَمِ الكرامي فِي كِتَابِ (جُمَلِ الْكَلَامِ فِي أُصُولِ الدِّينِ) لَمَّا ذَكَرَ جُمَلَ الْكَلَامِ فِي " الْقُرْآنِ " وَأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ: (أَحَدُهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ؛ فَقَدْ حَكَى عَنْ " جَهْمٍ " أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ خَلَقَهُ اللَّهُ فَيُنْسَبُ إلَيْهِ كَمَا قِيلَ: سَمَاءُ اللَّهِ وَأَرْضُهُ وَكَمَا قِيلَ: بَيْتُ اللَّهِ وَشَهْرُ اللَّهِ. وَأَمَّا " الْمُعْتَزِلَةُ " فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ ثُمَّ وَافَقُوا جَهْمًا فِي الْمَعْنَى حَيْثُ قَالُوا كَلَامٌ خَلَقَهُ بَائِنًا مِنْهُ. قَالَ: وَقَالَ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ: إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ.