للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُتَفَرِّقَةِ بِالسُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْآيَاتُ وَالْقِصَصُ مُثَنَّاةٌ مُتَكَرِّرَةٌ لَوَقَعَتْ قِصَّةُ مُوسَى إلَى قَوْمٍ وَقِصَّةُ عِيسَى إلَى قَوْمٍ وَقِصَّةُ نُوحٍ إلَى قَوْمٍ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنَّ يُشْهِرَ هَذِهِ الْقِصَصَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ وَأَنْ يُلْقِيَهَا إلَى كُلِّ سَمْعٍ. فَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْقُرْآنَ قَدْرَهُ. وَأَبُو الْفَرَجِ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ: (مَثَانِيَ لَمَّا قِيلَ: لِمَ ثَنَّيْت؟ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ فَإِنَّ التَّثْنِيَةَ هِيَ التَّنْوِيعُ وَالتَّجْنِيسُ وَهِيَ اسْتِيفَاءُ الْأَقْسَامِ وَلِهَذَا يَقُولُ مَنْ يَقُولُ مِنْ السَّلَفِ: الْأَقْسَامُ وَالْأَمْثَالُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اشْتَمَلَ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ وَعَلَى الْبَرَاهِينِ وَالْآيَاتِ وَالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ؛ بِخِلَافِ مَا أَحْدَثَهُ الْمُبْتَدِعُونَ وَالْمُلْحِدُونَ كَمَا قَالَ الرَّازِي مَعَ خِبْرَتِهِ بِطُرُقِ هَؤُلَاءِ: لَقَدْ تَأَمَّلْت الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ فَمَا وَجَدْتهَا تَشْفِي عَلِيلًا وَلَا تَرْوِي غَلِيلًا وَرَأَيْت أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ فِي الْإِثْبَاتِ {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . وَاقْرَأْ فِي النَّفْيِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} قَالَ: وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي. وَالْخَيْرُ وَالسَّعَادَةُ وَالْكَمَالُ وَالصَّلَاحُ مُنْحَصِرٌ فِي نَوْعَيْنِ: فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ؛ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِأَفْضَلَ ذَلِكَ وَهُوَ الْهُدَى