للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَظِيرُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَمَسَائِلِ الْقَدَرِ؛ فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يَقُولُونَ: إنَّهُ يَفْعَلُ لِحِكْمَةِ مَقْصُودَةٍ وَإِرَادَةِ الْإِحْسَانِ إلَى الْعِبَادِ؛ لَكِنْ لَا يُثْبِتُونَ لِفِعْلِهِ حِكْمَةً تَعُودُ إلَيْهِ. وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ لَا يَفْعَلُ لِحِكْمَةِ وَلَا لِمَقْصُودِ أَصْلًا. فَأُولَئِكَ أَثْبَتُوا حِكْمَةً لَكِنْ لَا تَقُومُ بِهِ وَهَؤُلَاءِ لَا يُثْبِتُونَ لَهُ حِكْمَةً وَلَا قَصْدًا يَتَّصِفُ بِهِ وَالْفَرِيقَانِ لَا يُثْبِتُونَ لَهُ حِكْمَةً وَلَا مَقْصُودًا يَعُودُ إلَيْهِ. وَكَذَلِكَ فِي " الْكَلَامِ ": أُولَئِكَ أَثْبَتُوا كَلَامًا هُوَ فِعْلُهُ لَا يَقُومُ بِهِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ مَا لَا يَقُومُ بِهِ لَا يَعُودُ حُكْمُهُ إلَيْهِ. وَالْفَرِيقَانِ يَمْنَعُونَ أَنْ يَقُومَ بِهِ حِكْمَةٌ مُرَادَةٌ لَهُ كَمَا يَمْنَعُ الْفَرِيقَانِ أَنْ يَقُومَ بِهِ كَلَامٌ وَفِعْلٌ يُرِيدُهُ وَقَوْلُ أُولَئِكَ أَقْرَبُ إلَى قَوْلِ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ إذْ أَثْبَتُوا الْحِكْمَةَ وَالْمَصْلَحَةَ فِي أَحْكَامِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَثْبَتُوا كَلَامًا يَتَكَلَّمُ بِهِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إلَى قَوْلِ السَّلَفِ إذْ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ وَقَالُوا: لَا يُوصَفُ بِمُجَرَّدِ الْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِهِ أَصْلًا وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَلَا يَكُونُ حَكِيمًا كَرِيمًا وَرَحِيمًا بِحِكْمَةِ وَرَحْمَةٍ لَمْ تَقُمْ بِهِ كَمَا لَا يَكُونُ عَلِيمًا بِعِلْمِ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَقَدِيرًا بِقُدْرَةِ لَمْ تَقُمْ بِهِ وَلَا يَكُونُ مُحِبًّا رَاضِيًا غَضْبَانَ بِحُبِّ وَرِضًى وَغَضَبٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ. فَكُلٌّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ فِي مَسَائِلِ كَلَامِ اللَّهِ وَأَفْعَالِ اللَّهِ؛ بَلْ