للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؛ وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَا أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ كَانَ؛ وَمَا لَمْ يُحِبَّهُ وَلَمْ يَرْضَهُ لَمْ يَكُنْ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الْكُفْرُ أَوْ لَا يَرْضَاهُ دِينًا كَمَا يَقُولُونَ: لَمْ يَشَأْهُ مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ أَوْ لَا يشاءه دِينًا؛ إذْ كَانُوا مُوَافِقِينَ للجهمية وَالْقَدَرِيَّةِ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَشِيئَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْكُفْرُ مِنْ عِبَادِهِ لَمْ يَرْضَهُ لِعِبَادِهِ. كَمَا قَالَ: {إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} وَقَالَ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} مَعَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} . وَ (فَصْلُ الْخِطَابِ: أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِمَشِيئَةِ أَنْ يَخْلُقَ الرَّبُّ الْآمِرُ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ. وَلَا إرَادَةَ أَنْ يَفْعَلَهُ بَلْ قَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يَخْلُقُهُ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِمَحَبَّةِ الرَّبِّ وَرِضَاهُ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ؛ وَهُوَ يُرِيدُهُ مِنْهُ إرَادَةَ الْآمِرِ مِنْ الْمَأْمُورِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ لِمَصْلَحَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَهُ وَأَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ؛ لِمَا لَهُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّ لَهُ حِكْمَةً بَالِغَةً فِيمَا خَلَقَهُ وَفِيمَا لَمْ يَخْلُقْهُ. وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَخْلُقَ هُوَ الْفِعْلَ وَيَجْعَلَ غَيْرَهُ فَاعِلًا يُحْسِنُ إلَيْهِ وَيَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِالْإِعَانَةِ لَهُ عَلَى مَصْلَحَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ وَيُبَيِّنَ لَهُ مَا يَنْفَعُهُ إذَا فَعَلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ هُوَ - نَفْسُهُ - أَنْ يُعِينَهُ لِمَا فِي تَرْكِ إعَانَتِهِ