للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ نَفْسِي فِي اللَّهِ. فَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَهَذَا مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الصَّفِّ وَحْدَهُ حَمْلًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ فَهَذَا حَسَنٌ. وَفِي مِثْلِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} وَمِثْلُ مَا كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَنْغَمِسُ فِي الْعَدُوِّ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: " أَنَّ رَجُلًا حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ وَحْدَهُ فَقَالَ النَّاسُ: أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَالَ عُمَرَ: لَا وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} . وَأَمَّا إذَا فَعَلَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ حَتَّى أَهْلَكَ نَفْسَهُ فَهَذَا ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ: مِثْلُ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ بِمَاءٍ بَارِدٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ أَوْ يَصُومُ فِي رَمَضَانَ صَوْمًا يُفْضِي إلَى هَلَاكِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ. فَكَيْفَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي قِصَّةِ {الرَّجُلِ الَّذِي أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ فَاسْتَفْتَى مَنْ كَانَ مَعَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: لَا نَجِدُ لَك رُخْصَةً فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ