للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ {أَنَّ اللَّهَ قَالَ قَدْ فَعَلْت} وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَقْرَأْ بِحَرْفِ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَمِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ إلَّا أُعْطَى ذَلِكَ} . فَهَذَا يُبَيِّنُ اسْتِجَابَةَ هَذَا الدُّعَاءِ لِلنَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُمْ إنْ نَسُوا أَوْ أَخْطَئُوا.

وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ هَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ - وَالْحَالُ هَذِهِ - فَيُقَالُ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَإِنْ كَثُرَ تَنَازُعُ النَّاسِ فِيهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُحَقَّقَ فِيهَا نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ؛ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي إطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُطَاقُ.

وَالثَّانِي: مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَاقُ؛ لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي عَدَمِ وُقُوعِهِ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَاقُ وَتَنَازَعُوا فِي وُقُوعِ الْأَمْرِ بِهِ؛ فَلَيْسَ كَذَلِكَ.

فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ: كَتَنَازُعِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ ونفاته فِي " اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ " وَهِيَ قُدْرَتُهُ وَطَاقَتُهُ. هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ لَا قَبْلَهُ أَوْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْفِعْلِ أَوْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ.؟ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ عَبْدٍ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ قَدْ كُلِّفَ مَا لَا يُطِيقُهُ