للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ هَؤُلَاءِ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى الطَّهَارَةِ؛ فَلَوْ لَبِسَهُمَا وَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِيهِمَا: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَخْلَعَ مَا لَبِسَ قَبْلَ تَمَامِ طُهْرِهِمَا فَيَلْبَسُهُ بَعْدَهُ. وَكَذَلِكَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قَالُوا: يَخْلَعُ الرِّجْلَ الْأُولَى ثُمَّ يُدْخِلُهَا فِي الْخُفِّ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {إنِّي أَدْخَلْت الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ} قَالُوا: وَهَذَا أَدْخَلَهُمَا وَلَيْسَتَا طَاهِرَتَيْنِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ بِلَا شَكٍّ. وَإِذَا جَازَ الْمَسْحُ لِمَنْ تَوَضَّأَ خَارِجًا ثُمَّ لَبِسَهُمَا فَلِأَنْ يَجُوزَ لِمَنْ تَوَضَّأَ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّ هَذَا فِعْلُ الطَّهَارَةِ فِيهِمَا وَاسْتَدَامَهَا فِيهِمَا وَذَلِكَ فِعْلُ الطَّهَارَةِ خَارِجًا عَنْهُمَا وَإِدْخَالُ هَذَا قَدَمَيْهِ الْخُفَّ مَعَ الْحَدَثِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ. وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالطَّهَارَةِ الْمَوْجُودَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ مَعَ الْحَدَثِ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنِّي أَدْخَلْتُهُمَا الْخُفَّ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ} حَقٌّ؛ فَإِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْمَسْحِ فَكُلُّ مَنْ أَدْخَلَهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَلَهُ الْمَسْحُ. وَهُوَ لَمْ يَقُلْ: إنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَمْسَحْ لَكِنَّ دِلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَالتَّعْلِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ حِكْمَةُ التَّخْصِيصِ: هَلْ بَعْضُ الْمَسْكُوتِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذِكْرَ إدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ هُوَ الْمُعْتَادُ؛ وَلَيْسَ غَسْلُهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ مُعْتَادًا؛ وَإِلَّا فَإِذَا غَسَلَهُمَا