{إنَّ الْقُرْآنَ يَجِيءُ فِي صُورَةِ الشَّابِّ الشَّاحِبِ؛ فَيَأْتِي صَاحِبُهُ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُ نَهَارَكَ؛ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ؛ قَالَ: فَيَأْتِي بِهِ اللَّهُ؛ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ} فَادَّعَوْا. أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ؛ فَقُلْنَا لَهُمْ: إنَّ الْقُرْآنَ لَا يَجِيءُ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ: {مَنْ قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَلَهُ كَذَا وَكَذَا} أَلَا تَرَوْنَ مَنْ قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لَا يَجِيئُهُ؛ بَلْ يَجِيءُ ثَوَابُهُ؛ لِأَنَّا نَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَنَقُولُ لَا يَجِيءُ؛ وَلَا يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. فَبَيَّنَ أَحْمَد أَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الَّذِي يَجِيءُ؛ وَهُوَ الْمَخْلُوقُ مِنْ الْعَمَلِ؛ فَكَيْفَ بِعُقُوبَةِ الْأَعْمَالِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فَإِذَا كَانَ هَذَا ثَوَابُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَهُوَ ثَوَابُ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ ثَوَابُ غَيْرِهِ وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْمُحْتَجِّ بِأَنَّ الْأَفْعَالَ قَدَرُ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُ: لَفْظُ " الْقَدَرِ " يُرَادُ بِهِ التَّقْدِيرُ؛ وَيُرَادُ بِهِ الْمُقَدَّرُ. فَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ نَفْسُ تَقْدِيرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِلْمُهُ وَكَلَامُهُ وَمَشِيئَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ؛ فَهَذَا غَلَطٌ وَبَاطِلٌ. فَإِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى؛ فَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ مُقَدَّرَةٌ؛ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ} وَكُلُّ تِلْكَ الْمَقْدُورَاتِ مَخْلُوقَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute