وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْأَرْضَ تُشْرِقُ بِنُورِ رَبِّهَا فَإِذَا كَانَتْ تُشْرِقُ مِنْ نُورِهِ كَيْفَ لَا يَكُونُ هُوَ نُورًا؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النُّورُ الْمُضَافُ إلَيْهِ إضَافَةَ خَلْقٍ وَمِلْكٍ وَاصْطِفَاءٍ - كَقَوْلِهِ {نَاقَةُ اللَّهِ} وَنَحْوِ ذَلِكَ - لِوُجُوهِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النُّورَ لَمْ يُضَفْ قَطُّ إلَى اللَّهِ إذَا كَانَ صِفَةً لِأَعْيَانِ قَائِمَةٍ فَلَا يُقَالُ فِي الْمَصَابِيحِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا؛ إنَّهَا نُورُ اللَّهِ وَلَا فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَإِنَّمَا يُقَالُ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ نُورُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} .
الثَّانِي: أَنَّ الْأَنْوَارَ الْمَخْلُوقَةَ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تُشْرِقُ لَهَا الْأَرْضُ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ مِنْ نُورٍ إلَّا وَهُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: مُنَوِّرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يُنَافِي أَنَّهُ نُورٌ وَكُلُّ مُنَوِّرٍ نُورٌ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ. ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ مَثَلَ نُورِهِ الَّذِي فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِالنُّورِ الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ نُورٌ وَهُوَ مُنَوِّرٌ لِغَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ نُورُهُ فِي الْقُلُوبِ هُوَ نُورٌ وَهُوَ مُنَوِّرٌ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ نُورٌ فَهُوَ مُنَوِّرٌ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ مُنَوِّرُ السَّمَوَاتِ بِالْكَوَاكِبِ: فَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ قَائِلُهُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى كَوْنِهِ نُورَ السَّمَوَاتِ وَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ نُورَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute