للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَمَّا إذَا اُبْتُلِيَ بِالْعِشْقِ وَعَفَّ وَصَبَرَ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى تَقْوَاهُ اللَّهَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: {أَنَّ مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ وَكَتَمَ وَصَبَرَ ثُمَّ مَاتَ كَانَ شَهِيدًا} وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِهَذَا. لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُومِ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ إذَا عَفَّ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ نَظَرًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا وَكَتَمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ مُحَرَّمٌ إمَّا شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ وَإِمَّا إظْهَارُ فَاحِشَةٍ وَإِمَّا نَوْعُ طَلَبٍ لِلْمَعْشُوقِ وَصَبْرٍ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ وَعَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ أَلَمِ الْعِشْقِ كَمَا يَصْبِرُ الْمُصَابُ عَنْ أَلَمِ الْمُصِيبَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ وَصَبَرَ {إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} وَهَكَذَا مَرَضُ الْحَسَدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَمْرَاضِ النُّفُوسِ وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ تَطْلُبُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ فَيَنْهَاهَا خَشْيَةً مِنْ اللَّهِ كَانَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} فَالنَّفْسُ إذَا أَحَبَّتْ شَيْئًا سَعَتْ فِي حُصُولِهِ بِمَا يُمْكِنُ حَتَّى تَسْعَى فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ تَكُونُ كُلُّهَا مَقَامَاتٍ لِتِلْكَ الْغَايَةِ فَمَنْ أَحَبَّ مَحَبَّةً مَذْمُومَةً أَوْ أَبْغَضَ بُغْضًا مَذْمُومًا وَفَعَلَ ذَلِكَ كَانَ آثِمًا مِثْلَ أَنْ يُبْغِضَ شَخْصًا لِحَسَدِهِ لَهُ فَيُؤْذِي مَنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ إمَّا بِمَنْعِ حُقُوقِهِمْ؛ أَوْ بِعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ. أَوْ لِمَحَبَّةِ