وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ: هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ تَدُلُّ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا فَارَقَ الْمَرْأَةَ بِالْعِوَضِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِذَا قِيلَ: الطَّلَاقُ صَرِيحٌ فِي إحْدَى الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْخُلْعِ. قِيلَ: إنَّمَا الصَّرِيحُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ. فَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِقَيْدِ يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ: فَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِ الْمُقَيَّدِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ. أَوْ مِنْ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ؛ فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ؛ لَا فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّكَاحِ. وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفِ. فَقَالَتْ: قَبِلْت. فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْعِوَضِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخُلْعِ؛ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ أَلْبَتَّةَ فَإِذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ فَقَدْ نَوَى بِاللَّفْظِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى بِالْخُلْعِ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. فَنِّيَّتُهُ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ كَذَلِكَ نِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى بِالظِّهَارِ الطَّلَاقَ أَوْ نَوَى بِالْإِيلَاءِ الطَّلَاقَ مُؤَجَّلًا مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَعُدُّونَ الظِّهَارَ طَلَاقًا وَالْإِيلَاءَ طَلَاقًا: فَأَبْطَلَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ذَلِكَ وَحَكَمَ فِي " الْإِيلَاءِ " بِأَنْ يُمْسِكَ بِمَعْرُوفِ أَوْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانِ مَعَ تَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَحَكَمَ فِي " الظِّهَارِ " بِأَنَّهُ إذَا عَادَ كَمَا قَالَ: كَفَرَ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ. وَلِهَذَا كَانَ مَنْ جَعَلَ الْإِيلَاءَ طَلَاقًا مُؤَجَّلًا أَوْ جَعَلَ التَّحْرِيمَ الَّذِي فِي مَعْنَى الظِّهَارِ طَلَاقًا: قَوْلُهُ مَرْجُوحٌ فِيهِ شَبَهٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا بِخِلَافِ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute