للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُورَةُ الْبَلَدِ

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} الْهِدَايَةُ مَحِلُّهَا الْقَلْبُ وَهَذِهِ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ دَائِمَةُ الْحَرَكَةِ وَالْكَسْبِ إمَّا لِلْإِنْسَانِ وَإِمَّا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يَتَحَرَّكُ مِنْ دَاخِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ وَبِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّ السُّكُونَ أَغْلَبُ وَحَرَكَتَهَا قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يُرْوَى {عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ صَمْتُهُ فِكْرًا وَنُطْقُهُ ذِكْرًا وَنَظَرُهُ عِبْرَةً} . وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الصَّمْتِ دَائِمَ الْفِكْرِ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ فَالصَّمْتُ وَالْفِكْرُ لِلِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَأَمَّا الْحُزْنُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحُزْنَ الَّذِي هُوَ الْأَلَمُ عَلَى فَوْتِ مَطْلُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَالِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الِاهْتِمَامَ وَالتَّيَقُّظَ لِمَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ الْأُمُورِ وَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنِ.