للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَقْلِيَّةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يَدُلُّ بِطَرِيقِ الْخَبَرِ فَقَطْ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ بِالْعَقْلِ قَبْلَ ذَلِكَ ثُبُوتُ النُّبُوَّةِ وَصِدْقُ الْخَبَرِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ مَنْ ثَبَتَ بِالْعَقْلِ صِدْقُهُ وَمِنْهَا مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ إلَّا بِخَبَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَخَبَرُهُمْ الْمُجَرَّدُ هُوَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ مِثْلَ تَفَاصِيلَ مَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْعَرْشِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَتَفَاصِيلِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ. فَأَمَّا نَفْسُ إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُعْلَمُ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَدِلَّةُ وَالْآيَاتُ الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْأَنْبِيَاءُ هِيَ أَكْمَلُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ؛ لَكِنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى الْخَبَرِ الْمُجَرَّدِ وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُجَرَّدَةُ تُفِيدُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ أَيْضًا؛ فَيُعْلَمُ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي أَرْشَدُوا إلَيْهَا وَيُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِمْ لَمَّا عُلِمَ صِدْقُهُمْ بِالْأَدِلَّةِ وَالْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ.

وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي " الْعِلْمِ بِالْمَعَادِ وَبِحُسْنِ الْأَفْعَالِ وَقُبْحِهَا " فَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ: إنَّهُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ مَعَ السَّمْعِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَقْلَ يُعْلَمُ بِهِ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ أَكْثَرَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعَادَ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمَعَادُ وَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ