أَنَّهُ لَوْ شَاءَ الْعَبْدُ لَفَعَلَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَهَذَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ بِلَا نِزَاعٍ؛ وَإِنْ سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ بِمَا لَا يُطَاقُ فَهَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ؛ وَنِزَاعٌ فِي أَنَّ الْقُدْرَةَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْفِعْلَ أَمْ لَا؟
فَصْلٌ:
وَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَالْجَبْرُ إنْ صَحَّ يَكُنْ مُكْرَهًا … وَعِنْدَكَ الْمُكْرَهُ مَعْذُورُ
فَيُقَالُ: قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى " الْجَبْرِ "؛ وَأَنَّ الْجَبْرَ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِكْرَاهُ كَمَا يَجْبُرُ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ وَيُكْرِهُهُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ؛ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَجَلُّ وَأَعْلَى وَأَقْدَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى مِثْلِ هَذَا الْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ؛ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَاجِزٍ يَعْجِزُ عَنْ جَعْلِ غَيْرِهِ مُرِيدًا لِفِعْلِهِ مُخْتَارًا لَهُ مُحِبًّا لَهُ رَاضِيًا بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدَ مُحِبًّا لِمَا يَفْعَلُهُ؛ مُخْتَارًا لَهُ جَعَلَهُ كَذَلِكَ؛ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ مُرِيدًا لَهُ بِلَا مَحَبَّةٍ بَلْ مَعَ كَرَاهَةٍ فَيَفْعَلُهُ كَارِهًا لَهُ جَعَلَهُ كَذَلِكَ. وَلَيْسَ هَذَا كَإِكْرَاهِ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ؛ فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ فِي قَلْبِ غَيْرِهِ لَا إرَادَةً وَحُبًّا وَلَا كَرَاهَةً وَبُغْضًا بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute