للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِمَامُ أَحْمَد الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ. وَهَمُّ إصْرَارٍ. فَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ. وَتِلْكَ هَمَّتْ هَمَّ إصْرَارٍ فَفَعَلَتْ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ مُرَادِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْمَطْلُوبُ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا يُعَاقَبُ بِالْإِرَادَةِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ} وَفِي رِوَايَةٍ {إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ} . فَهَذَا أَرَادَ إرَادَةً جَازِمَةً وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَطْلُوبَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ؛ فَمَتَى كَانَ الْقَصْدُ جَازِمًا لَزِمَ أَنْ يَفْعَلَ الْقَاصِدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ فَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِطَرِيقِ مُسْتَقِيمٍ امْتَنَعَ مَعَ الْقَصْدِ التَّامِّ أَنْ يُحَصِّلَهُ بِطَرِيقِ مَعْكُوسٍ مِنْ بَعِيدٍ. فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي فِعْلِ الْعِبَادِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُ قَصْدِهِمْ لَهُ أَنْ لَا يَتَوَجَّهُوا إلَيْهِ إلَّا تَوَجُّهًا مُسْتَقِيمًا؛ فَيَتَوَجَّهُوا إلَى الْعُلُوِّ؛ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ؛ لِأَنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْقَرِيبُ؛ وَمَا سِوَاهُ فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ وَالِانْحِرَافِ وَالطُّولِ مَا فِيهِ. فَمَعَ الْقَصْدِ التَّامِّ الَّذِي هُوَ حَالُ الدَّاعِي الْعَابِدِ وَالسَّائِلِ الْمُضْطَرِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ إلَّا إلَى الْعُلُوِّ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُدْلِيَ بِحَبْلِ يَهْبِطُ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بُعِثُوا بِتَكْمِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَقْرِيرِهَا؛ لَا بِتَبْدِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَغْيِيرِهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: