وَالْقَدَرِيَّةُ قَصَدُوا تَنْزِيهَ اللَّهِ عَنْ السَّفَهِ وَأَحْسَنُوا فِي هَذَا الْقَصْدِ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُقَدَّسٌ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ مِنْ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ عُلُوًّا كَبِيرًا حَكَمٌ عَدْلٌ. لَكِنْ ضَاقَ ذَرْعُهُمْ وَحَصَلَ عِنْدَهُمْ نَوْعُ جَهْلٍ اعْتَقَدُوا مَعَهُ أَنَّ هَذَا التَّنْزِيهَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِأَنْ يَسْلُبُوهُ قُدْرَتَهُ عَلَى أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَخَلْقِهِ لَهَا وَشُمُولِ إرَادَتِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ. فَنَاظَرُوا إبْلِيسَ وَحِزْبَهُ فِي شَيْءٍ وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى. وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ آفَاتِ الْجِدَالِ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ بِغَيْرِ الْحَقِّ. وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَرُدُّ بَاطِلًا بِبَاطِلِ وَبِدْعَةً بِبِدْعَةِ. فَجَاءَ طَوَائِفُ مِمَّنْ نَاظَرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لِيُقَرِّرُوا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَضَاقَ ذَرْعُهُمْ وَعِلْمُهُمْ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ إنْ لَمْ نُنْكِرْ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَمَا خَصَّ بِهِ بَعْضَ الْأَفْعَالِ دُونَ بَعْضٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ؛ وَنُنْكِرُ حِكْمَتَهُ وَرَحْمَتَهُ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ فِعْلٍ لَا يُنَزَّهُ عَنْ ظُلْمٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ. وَزَادَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى عَطَّلُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ رَأْسًا. وَمَالَ هَؤُلَاءِ إلَى الْإِرْجَاءِ كَمَا مَالَ الْأَوَّلُونَ إلَى الْوَعِيدِ. فَقَالَتْ الوعيدية:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute