عَلِمُوهُ. وَإِنْ ذَكَرُوا جَمَاعَةً رَصَدُوا فَغَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ الْخَاصِّ الَّذِي تَنْقُلُهُ طَائِفَةٌ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ بِمَا تَوَاتَرَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِهِ بُرْهَانًا بِمِثْلِ هَذَا التَّوَاتُرِ وَيُعَظِّمَ عِلْمَ الْهَيْئَةِ وَالْفَلْسَفَةِ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ عِلْمٌ عَقْلِيٌّ مَعْلُومٌ بِالْبُرْهَانِ. وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَقُومُ عَلَيْهِ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ عِنْدَهُمْ هَذَا حَالُهُ فَمَا الظَّنُّ بِالْإِلَهِيَّاتِ الَّتِي إذَا نُظِرَ فِيهَا كَلَامُ مُعَلِّمِهِمْ الْأَوَّلِ أَرِسْطُو وَتَدَبَّرَهُ الْفَاضِلُ الْعَاقِلُ لَمْ يُفِدْهُ إلَّا الْعِلْمَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَجْهَلِ الْخَلْقِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنَّ كُفَّارَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَعْلَمُ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ لَهُمْ مِنْ عِلْمِ الْوَحْيِ وَالْإِلْهَامِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِهِمْ الَّذِي ذَكَرُوهُ بَلْ الْفِرَاسَةُ أَيْضًا وَأَمْثَالُهَا. فَإِنْ أَدْخَلُوا ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ لَمْ يُمْكِنْهُمْ نَفْيُ مَا لَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ ضَابِطٌ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ: أَنَّ الْقَضَايَا الْوَاجِبَ قَبُولُهَا الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْبُرْهَانُ: الْأَوَّلِيَّاتُ وَالْحِسِّيَّاتُ وَالْمُجَرَّبَاتُ وَالْحَدْسِيَّاتُ وَالمُتَواتِراتِ وَرُبَّمَا ضَمُّوا إلَى ذَلِكَ قَضَايَا مَعَهَا حُدُودُهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا دَلِيلًا عَلَى هَذَا الْحَصْرِ وَلِهَذَا اعْتَرَفَ الْمُنْتَصِرُونَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ مُنْتَشِرٌ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ دَلِيلٍ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي قِيَاسِهِمْ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ الْمَنْطِقُ آلَةً قَانُونِيَّةً تَعْصِمُ مُرَاعَاتُهَا مِنْ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute