وَلَا يُقَالُ فِي أَفْضَلِ هَؤُلَاءِ: إنَّ الرَّبَّ وَالْعَبْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؛ لَكِنْ يُقَالُ لِأَفْضَلِ الْخَلْقِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وَقَالَ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وَقَالَ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} وَقَالَ: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الْعِبَادِ: فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَرَبُّهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ أَفْعَالِهِمْ مُوَافِقًا لِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ: كَانَ مُحِبًّا لِأَهْلِهِ مُكْرِمًا لَهُمْ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يُسْخِطُهُ وَيَكْرَهُهُ: كَانَ مُبْغِضًا لِأَهْلِهِ مُهِينًا لَهُمْ. وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَفْعُولَةٌ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ لَيْسَتْ صِفَةً لَهُ وَلَا فِعْلًا قَائِمًا بِذَاتِهِ. وقَوْله تَعَالَى {وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} فَمَعْنَاهُ: وَمَا أَوْصَلْت إذْ حَذَفْت وَلَكِنَّ اللَّهَ أَوْصَلَ الْمَرْمِيَّ؛ فَإِنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ رَمَى الْمُشْرِكِينَ بِقَبْضَةِ مِنْ تُرَابٍ وَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ} فَأَوْصَلَهَا اللَّهُ إلَى وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ وَعُيُونِهِمْ؛ وَكَانَتْ قُدْرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاجِزَةً عَنْ إيصَالِهَا إلَيْهِمْ وَالرَّمْيُ لَهُ مَبْدَأٌ وَهُوَ الْحَذْفُ وَمُنْتَهَى وَهُوَ الْوُصُولُ؛ فَأَثْبَتَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ الْمَبْدَأَ بِقَوْلِهِ: {إذْ رَمَيْتَ} وَنَفَى عَنْهُ الْمُنْتَهَى وَأَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُثْبَتُ عَيْنَ الْمَنْفِيِّ؛ فَإِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute